الجمعة، 17 سبتمبر 2010

رسالة إلى المؤتمر الوطني‎- الحلقة الأولى‎- الفشل الفكري








هذه المقالات منشورة أيضا على موقع صحيفة الأحداث السودانية:
http://www.alahdath.sd/details.php?type=a&scope=a&version=140&catid=6


أكتب إليكم وبلادنا الحبيبة تمر بمرحلة هي ، بلا مبالغة ، الأخطر في تاريخها المعاصر، وذلك لأدعوكم بكل احترام ووطنية ،لأن تنظروا، بحق الله وأمانة الحكم ، في مآلات الحال الذي وصلت إليه بلادنا تحت قيادتكم. وأدعو الله أن يرزقكم الحكمة والبصيرة حينما تنظرون، إذ أن مصير السودان وشعبه قد أصبح مرتبطا بمصير حزبكم، رضي السودانيون بذلك أم أبوا.
أكتب لأدعو مفكريكم وقادتكم للجلوس وللنظر مليا في هذه السنوات العشرين ونيف التي حكمتمونا فيها، حتى يتم تقييمها من قبلكم، وان يُنظر إلى الطالح منها فتتخلوون عنه، وإلى الصالح فتتمسكون به. واظن أنه لو نظرتم لأنفسكم بصدق، فستتوصلون إلى أن الوقت قد حان لتغيير جذري في أنماط تفكيركم وفلسفة حكمكم وممارستكم السياسية. أقول ذلك لانني أعتقد في قرارة نفسي أن المؤتمر الوطني ، والحركة الإسلامية السودانية عموما، قد فشلت فشلا تاريخيا في تقديم نفسها كقوة سياسيه حديثة، وان ذلك الفشل قد أدخل البلاد في مأزق كبير، وساهم كثيرا في التمكين لثقافة سياسية أقعدت بنا كأمة عن اللحاق بركب الأمم الحرة المجتهدة.
وحينما أقول أنكم قد فشلتم، فأنني والله لا أقول ذلك تندرا، ولا رغبة في المشاركة في مزيد من الإسفاف الذي استشرى في الخطاب السياسي السوداني ، وانما أفعل ذلك رغبة في المساهمة في إصلاح حال أهم أحزاب البلاد واكثرها تأثيرا في هذه اللحظة المفصلية في تاريخنا، ولأن في إصلاح حالكم إصلاح لكشل الحياة السياسية السودانية.
ولانني لا أكتب ما أكتب لغرض سياسي ، وبعضكم يعلم أنه ما عرف لى إنتماء تنظيمي، فاني والله ساكون أول المحتفلين بمؤتمر وطني حديث، يفهم دوره التاريخي المهم في الحياة السياسية السودانية، ويتصرف ببعد نظر يليق بتوقعاتكم عن أنفسكم.
وحتى لا يصبح حديثي عن فشلكم كلاما عاما، و تهمة تُلقَى جُزافا ولا يُأتَى لها بشواهد، فسأقوم هنا بتحديد طبيعة ذلك الفشل، وأُقسّمُه إلى فشل في الفكر ، وفشل في الممارسة السياسية، مع سرد شواهدي على ذلك. وليس هدفي هنا أن أحصر كل شي، وإنما هو فتح باب النقاش ليأت غيرى ويُتْمِم ما بدأتُ.
وبما إنني لا أعتقد أن كل ما قمتم به قد كان فاشلا، فسأقوم كذلك بالإشادة بالسياسات التي أرى أنكم قد أحسنتم فيها. كما إنني ساقوم في النهاية بتقديم حلول ومقترحات لما أرى أنه ضروري لتصحيح المسار. 

الفشل الفكري
من الملاحظات اللافتة للنظر في مسيرتكم الفكرية منذ نشأتها في السودان أن مفكريكم لم يشغلوا أنفسهم كثيرا بأعادة صياغة فكر الإخوان المسلمين المصري النشاة حتى يتواكب مع إسلام أهل السودان ذي المنشاء الصوفي التعددي، مما يضع الدارس لفكركم أمام خيارين أحلاهما مر، وهما إما أنكم لم تنتبهوا لاهمية ذلك ، أو إنتبهتم ولكنكم لم ترغبوا في القيام بذلك لسبب ما. وايا كان السبب ، فاعتقد أنه أَسّس إلى إنقطاع بين فكركم و بين الثقافة السودانية، فأصبحتم أقرب في ناحية حساسيتكم الثقافية و تخريجاتكم الفقهية إلى إخوانكم الإسلاميين خارج السودان منه إلى إخوانكم السودانين. والحق يقال، فان بعض رُصفائكم العقائديين من أحزاب السودان قد نجحوا في ذلك. فقد استطاع الإخوان الجمهوريون تقديم نموذج فكري ذي روح سودانية واضحة، سواء أكان ذلك فيما يتعلق بالجوهرى، مثل فكرهم الصوفي الأصل ، أو المظهرى، مثل مدائحهم العرفانية ، أو ثيابهم السودانية. كذلك فعل شيوعيو السودان ، حيث عملوا الى سودنة أفكارهم وأشعارهم ، من عبدالخالق محجوب إلى محجوب شريف.
والمتأمل لتاريخ الإسلام في السودان يجد أن بلادنا أصبحت ذات غالبية مسلمة بفضل أهلنا المتصوفة، وليس عبر جيوش الفتح الإسلامي، كما هو الحال بالنسبة إلى مصر. وأن هؤلاء المتصوفة نجحوا لانهم صبروا على الناس وأطعموهم وعلموهم وآوهم وكسوهم وعالجوهم، ثم بعد ذلك دعوا لهم بالبركات والتوفيق، وتركهم أحرارا ليذهبوا في حال سبيلهم. لذلك عاد مسلمو السودان لمتصوفتهم عبر القرون، لأن هؤلاء المتصوفة صبروا عليهم عبر القرون. أما أنتم فقد فضّلتم أن تأتوا بالتغيير من الأعلى. وهذا نموذج لا يجلب حُباً ولا نجاحا.

أما النقطة الثانية التي اعتقد أن النجاح لم يحالفكم فيها فهي عجزكم فكريا، وأنتم من طليعة أحزاب الجيل الثاني السودانية ، عن تجاوز أحزاب الجيل الأول الطائفية، وذلك بالرغم من أنكم، نظريا ، مؤهلون جدا لتجاوزها. فالدكتور حسن الترابي، قائدكم التاريخي، أمسك بتلابيب تنظيمكم لعقود، ولم يدع مجالا لأحد، حتى كاد أن يصبح سيداً ثالثا، لولا الإطاحة به. وحتى حينما عزلتموه، فقد كان خلافكم معه على السُلطة، لا على الفكر و تجديده، بدليل عدم وجود خلافات فكرية بينكم الآن. وكان عليكم من وجهة نظري أن تتخذوا الفرصه للانفتاح على تجارب الحكم العالمية، مثل انفتاح اخوتكم في تركيا مثلا.



أما النقطة الفكرية الثالثة فهي تركيزكم على عسكرة الممارسة السياسية بدلا من إبداعها. وكان أحق بكم الإبداع لأنكم مؤهلون لذلك، إذ لا يوجد في ظني حزب سياسي سوداني لديه ما لديكم من مستوى التعليم والتاهيل العالي بين قادته. وكما قال المتنبي،:
عَجِبتُ لمن له حَدٌّ وقٌَّد ... وَيَنبو نبوةَ القضم الكهامِ وكان الاحرى أن ينكب مفكرييكم على العمل لإنتاج فكر إسلامي مدني سوداني ، يحفظ للوطن وحدته وسلامه الإجتماعي وثقافة أغلبيته الإسلامية المتسامحة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق